عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي
لا تزال مسألة عضوية أوكرانيا في كل من حلف «الناتو» والاتحاد الأوروبي مصاحبة لحربها مع روسيا؛ وفي حين تثير فكرة عضويتها في «الناتو» تداعيات أمنية عميقة، فإن عضويتها في الاتحاد الأوروبي تواجه تحديات واقعية عدَّة.
وينبغي عدم استسهال عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي، كما أنه ليس من المناسب عَدّ انضمامها إلى هذه المؤسسة العتيدة بمنزلة البديل الأيسر لعضويتها في «الناتو».
يُعَدّ الاتحاد الأوروبي هيكلاً فوق المستوى الوطني، ويهدف إلى تحقيق التكامل الإقليمي بين دوله، وتُمنَح العضوية فيه بحسب الدولة المُرشحة، ووفق سياساته المُوحَّدة؛ ولذلك، فإن متطلبات التأهل للعضوية معقدة، واشتراطات مواكبة أداء الاتحاد التكاملي صارمة؛ إذ ليس هدف الاتحاد الأوروبي مجرد تكديس الدول في قائمة عضويته، أو تشجيع انضمام الدول غير المناسبة إليه.
وتُجسِّد عضوية أي دولة في الاتحاد قراراً واضحاً بتنازلها عن جزء من سيادتها الوطنية لمصلحة مؤسسات الاتحاد في مسؤولية صُنع السياسات، ووضع القوانين التكاملية التي تلتزم الدول الأعضاء تطبيقَها.
لذلك ستتحدد الجدوى الحقيقية لعضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي بمقدار تداعيات العملية العسكرية الروسية، ولا تزال هذه الجوانب غامضة في ظل استمرار الحرب، ولا يمكن بَتُّها إلا بعد معرفة أبعاد السلامة الإقليمية، والاستقلال السياسي، والسيادة الوطنية الباقية لدى أوكرانيا بعد انتهاء صراعها مع روسيا.
وبافتراض أن بنية النظام السياسي وأداءَه في أوكرانيا سيكونان متوافقين مع المعايير الأوروبية؛ فإنه لا بدَّ من الإجابة عن هذه الأسئلة المهمة: مَن سيتحمل تكاليف إعمار أوكرانيا بعد الحرب والنهوض باقتصادها كي يصل إلى المعايير المقبولة؟
ومَن يضمن أن أوكرانيا ستتمكن من ضبط معدلات التضخم ونسب عجز الموازنة الوطنية المسموح بها في الاتحاد الأوروبي؟
وستقع هذه الأعباء أساساً على ألمانيا وفرنسا بصفتهما الدولتين الأكثر نفوذاً؛ ولكنْ قد لا يتسنّى لألمانيا تحمل تكاليف ترميم اقتصاد أوكرانيا في الوقت الذي تتلقى فيه برلين اللوم على مقاومتها خيار مقاطعة إمدادات الطاقة من روسيا. كما أن ألمانيا كانت قد دعمت عضوية دول شرق أوروبا في الاتحاد الأوروبي، ويبدو أن هدفها في هذا الشأن قد توقَّف بانضمام جارتها بولندا في عام 2004.
وربما لا يجدر بباريس إعطاء دعم اقتصاد أوكرانيا أولوية تفوق حاجتها إلى معالجة التحديات الاقتصادية داخل فرنسا، وخاصة بعد المكتسبات الانتخابية التي حققتها الأحزاب اليمينية المعارضة للاتحاد الأوروبي كما أوضحت الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
وكان الاتحاد الأوروبي قد رحَّب بفكرة انضمام أوكرانيا، وانساقت كييف وراء ذلك الترحيب، ويتضح الآن أن الدول الأوروبية تفتقد الحماسة الكافية إزاء هذه المسألة، وتتحفّظ النمسا ودول أخرى تجاهها؛ ما يعطل شرط الإجماع اللازم لمنح العضوية.
وتشعر القيادة الأوكرانية بالإحباط، وتتهم الاتحاد الأوروبي بقِصَر النظر والعبث؛ ولكنَّ الواقع هو أن المعطيات الإقليمية الحالية غير مواتية، وتعوق ظروف أوكرانيا غير الاعتيادية منحها مساراً مُسرّعاً للعضوية، وقد يستغرق الأمر سنوات عدَّة، وذلك أُسوة بصربيا التي تقدمت بطلبها في عام 2009، ولا تزال مفاوضات العضوية معها مستمرة.
د. علي أحمد الغفلي
*أكاديمي إماراتي